تغمُر لوحات سعيدي علي ناصر صوافي الجماهير في تمثيل مرئي رمزي وغني للحياة الثقافية والاجتماعية للقرية الأوغندية في القرن العشرين. وقد اختارت تامو الإسلام، القيّمة الفنية لهذا المعرض، عنوان المعرض ليكون روعة أوغندا: تَصَوُّر للوطن والتاريخ في استيحاء من مجموعة الألوان المُشرقة ومتعددة الطبقات التي تتميّز بها أعمال الفنان، إضافة إلى خياله الدقيق والخصب فيما يتعلّق بالأحداث الاجتماعية التي تؤثر على مثل هذه المجتمعات بوجه عام.

يمثل هذا المعرض الفردي أول دراسة رسمية مستدامة لأعمال الفنان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفرصة نادرة للاطلاع على مسار ممارساته الفنية. كما يستعرض المعرض وجهات نظر صوافي حول تقاليد الاحتفالات بمناسبات عدّة مثل الولادة والحصاد والعودة إلى الوطن، إلى جانب التأثير التي تركته ظواهر مثل المجاعات والصراع السياسي والألغام الأرضية وغيرها من التساؤلات المتعلقة بمفهوم الهوية في حقبة ما بعد الحداثة.

تتنوّع لوحات صوافي من حيث الحجم ما بين صورٍ ضخمة المقياس تُصوِّر مجموعة متنوعة من المواضيع الشائعة في أعماله، وبين لوحات صغيرة المقياس تقدّم بورتريهات فردية تأملية للموسيقيين، والأمهات، أو شيوخ القرية، في حين يبرز في جميع تلك اللوحات أسلوب الفنان المستوحى من المذهب التكعيبي في الفن. وتروي لوحات صوافي قصة قارة إفريقيا المعاصرة، حيث يضطر أغلب أبناء القارة من الموهوبين والمتعلمين إلى مغادرتها سعياً وراء الحصول على فرص أفضل للعيش في الخارج. وبذلك غالباً ما يُصوِّر الفنان كلاً من فئتي النساء والأطفال في أعماله على أنهما الأكثر عرضة للخطر في سياق تلك الصراعات، حيث تستمر الألغام الأرضية في حصد أرواح الأبرياء في المناطق الريفية بعد سنوات عديدة من زرعها هناك. وفي حين قد يَتَعرّف المشاهد بسهولة على الخصائص الإفريقية الفنية الفريدة من ألوان مشرقة ومفردات هندسية جريئة في أعمال صوافي، إلا أن نظرة عن قرب ستمكّن المشاهد من إدراك كمّ اليأس التي تحويه تلك الأجسام، سواء كانت تلك الأجسام فارّة من أهوال الحروب أو كانت تصويراً لأمهاتٍ حوامل يدعون بإخلاص لتلقّي الرحمة.

يستَهِلُّ صوافي عمليته الإبداعية بتخطيط “إسكتشات” كان قد رسمها على امتداد سنوات طوال، والتي يستخدمها بمثابة خرائط دقيقة تُعين في إرشاده عند طلائه الزيوت والأكريليك على تلك الجداريات الكبيرة. وتجدُر الإشارة هنا إلى امتياز لوحات صوافي بدرجة عالية من الإتقان في استخداماته لأصباغ الأكريليك والألوان المائية والزيتية، وهو ما يبرز بشكل أكبر نظراً للمقياس الكبير لأغلب أعمال الفنان، ومزجِه بين الألوان المشرقة، وتوظيفه لخطوط هيكلية هندسية قوية. كما تشمل موضوعاته الصراع الحالي حول السيطرة على الموارد الطبيعية في إفريقيا باعتبار ذلك العامل المهيمن المؤثر على مستقبل القارة الاقتصادي، إضافة إلى تسليطه الضوء على التحديات التي يواجهها رجال ونساء القُرى الإفريقية المنسيون ضمن هذا الصراع. وبالإضافة إلى اللوحات القماشية، يرسم صوافي باستخدام الأصباغ الزيتية وألوان الأكريليك على قماشٍ مُخصصٍ لتصنيع الخيام، وهو قماش يتمتّع بجودة تَشَبّع عالية للطلاء، مما ينتج عنه صور مذهلة للأفراد والمواشي والطيور والآلات الموسيقية التي تملأ لوحاته على اختلافها.

يتأمل الفنان في ممارساته الإبداعية ضمن مقابلة أجرتها معه القيّمة الفنّية للمعرض، فيسهب قائلاً:

“أعتقد أن الرسم هو طريقة أخرى لنقل رسالة عن القصص التي لا تتم روايتها. إذ لا يمتلك العديد من الأفراد معلومات كافية حول قارة إفريقيا، كما لا تغطي وسائل الإعلام سوى أبرز الأحداث. ولكن عند توقفت للاطلاع على قصة الرجل الذي أُصيب من خلال وطئه للغم أرضي، يبدو عندها من الواضح عدم امتلاك مصنّعي الألغام الأرضية ذاتهم لأية معلومات حول ضحاياها أو التأثير الذي لحق بهم نتيجة لتلك الألغام. إلا أن مثل هذه اللوحات تمتلك القدرة على التواصل مع المشاهدين والكتاب وربما حتى المراسلين …. (على أمل أنهم) سيحاولون قراءة الرسالة الكامنة وراء كل اللوحة، وذلك هو هدفي في نهاية المطاف.”


سارع صوافي للإضافة إلى أن هؤلاء الأشخاص وظروفهم “هي ليست مدعاة للشفقة،” وأن تلك القصص تتمد إلى أبعد من مجرد تصوير المأسآة. فبدلاً من تصويره لأفرادٍ مُعَيَّنين، يرسم صوافي الشعب الأوغندي بأسلوبٍ رمزي، مُجَسِّداً الكرامة والفخر الذي تحمله هذه الهوية، جاهداً في السعي لالتقاط الفرح العارم وقوة احتمال الظاهرة في احتفالاتهم ونشاطات الحصاد والعودة إى الوطن، وهوو ما يُنبِئ دوماً بحسٍّ من الأمل تجاه المستقبل القادم.


نبذة عن الفنان

ولد سعيدي علي ناصر صوافي في أوغندا لوالدٍ هو رسّامٌ إفريقي معروفٌ غالباً ما كلّفَته الحكومة الأوغندية لرسم البورتريهات الشخصية للشخصيات البارزة. وإلى جانب تَتَلمُذ صوافي على يدي والده الراحل لتلقّي أساسيات المهنة، فقد طَوَّرَ الفنان الإبن أسلوبه الخاص في الرسم بعد تخرجه من جامعة ماكيريري في أوغندا وحصوله على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة في عام ١٩٨٦. صوافي مقيم منذ فترة طويلة في الإمارات العربية المتحدة، حيث نَشَط في مسيرته الفنية في الرسم منذ انتقاله إلى الدولة في عام ١٩٩٨.

ساهم صوافي في عام ١٩٩٨ في تأسيس فرقة أبوظبي للفنون، وهي مجموعة فنية للرسامين المغتربين. كما شارك خلال الأعوام ٢٠٠٥-٢٠٠٧ في مشاريع ثلاثية الصحراء، وهي سلسلة من المشاريع الخيرية في إمارة دبي أشرفت عليها منظمة الأعمال الفنية، وجاءت تحت عناوين قافلة الجِمال، الخيول العربية، وتحليق الصقر.

أقام صوافي العديد من المعارض الفردية في ألمانيا والإمارات العربية المتحدة، كما تم اقتناء أعماله من قبل مجموعات فنية مختلفة في ألمانيا والمملكة المتحدة وأيرلندا وكندا وهولندا والإمارات العربية المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا والهند وجنوب إفريقيا وفرنسا.