• موجز

    قدم هذا المعرض والكتاب الذي صاحبه دراسة موسعة وعميقة للسنوات التأسيسية لمجتمع فني مؤثر، عمل في طليعة الفن المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي. وقد قام بعض من فناني هذا المجتمع بتأسيس “ذي فلاينغ هاوس” الذي شكل منصة مخصصة لعرض أعمالهم الفنية.

    ويروي الكتاب قصة ذلك المجتمع عن طريق لقاءات مع مجموعة موسعة من الفنانين، وصانعي الأفلام، والشعراء، والكتّاب الذين يشكلون هذا المجتمع (من ضمنهم نجوم الغانم وخالد البدور)، والذين شاركوا ودعموهم على مدى الطريق (كريستيانا دي ماركي وعبدالرحيم شريف)، بالإضافة إلى مقالات بأقلام الكاتب عادل خزام ومؤرخة الفن عائشة ستوبي.

    عنوان المعرض والكتاب مقتبس من قصيدة للشاعرة وصانعة الأفلام نجوم الغانم، والتي كانت عضواً مهماً في ذلك المجتمع.

    لا نراهم لكننا أقيم بتقييم مايا أليسون، بالتعاون مع بانة قطان وآلاء إدريس. تضمن المعرض مواد أرشيفية ومقابلات فيديو مع أعضاء المجتمع، بالإضافة إلى أعمال فنية من عام ١٩٨٨ إلى ٢٠٠٨، بجانب غرفة قراءة عرضت أعمال أخرى لأعضاء المجتمع الآخرين.

  • اقرأ المقال

    مقتطف من مقال القيم الفني:

    ١٩٨٨-٢٠٠٨

    كان هنالك منزل في منطقة السطوة في إمارة دبي، يلتجئ إليه الفنانون والكتّاب والمثقفون، ابتغاء صحبة بعضهم البعض. وكان العديد من مرتادي ذلك المنزل هم من المؤمنين «بثقافة جديدة » من التجريب الراديكالي والشكلي والمفاهيمي في كل من حيّزي الفن والكتابة. ويقال إن أي شخص يمتلك مفتاح ذلك المنزل هو شخص مُرحَّب به ليلاً أو نهاراً. كما قيل أن صاحب المنزل هو فنان يقوم بإبداع الأعمال الفنية من مهملات الحياة اليومية حوله. كان ذلك الفنان هو حسن شريف. وكان من مرتادي المنزل المعتادين تلميذه محمد كاظم، والشاعر عادل خزام، وشقيقه الفنان حسين شريف، وغيرهم من الفنانين والكتّاب الذين سيتم ذكرهم هنا تِباعاً.

    وعلى الساحل الشرقي لإمارة الشارقة، كانت هنالك مكتبة في مدينة خورفكّان، عمل على إدارتها شاعر معروف وصديق وزميل ذو توجهات مماثلة لفناني منزل السطوة. ذلك الشخص هو أحمد راشد ثاني. في حوالى العام ١٩٩٠، قام اثنان من الفنانين الشباب بالعيش في المكتبة واتخاذها مُحتَرفاً فنياً، هما محمد أحمد ابراهيم من خورفكّان وعبدالله السعدي من الجبال القريبة لإمارة الفجيرة. وقام كل منهما باستحداث ممارسات جمالية مميزة استُوحيت إبداعاتها من المشهد الجبلي الصخري الذي أحاط بهم، فتحوّلت لوحات إبراهيم الغنية بالألوان والأشكال الهندسية إلى منحوتات التحمت بأعمال فن الأرض التركيبية الخاصة به، وقام السعدي بإنتاج مجلّدات من الدراسات حول الطبيعة، إلى جانب ثروة من التركيبات الفنية البيئية المُستقاة من رحلاته على متن دراجته الهوائية. وسرعان ما التقى الفنانان بفناني منزل السطوة ليقوما بعدها بعرض أعمالهما إلى جانب أعمال محمد كاظم وحسن شريف وحسين شريف.

    في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، كان هنالك تل من الكثبان الرملية على الحدود الفاصلة بين إمارتي عجمان والشارقة يُعرف باسم «قصر الرمل». وكانت رؤية النار مشتعلة هناك، دليلاً على نشاط قصر الرمل. فقد يكون هنالك شاعر يقوم بقراءة شعرية، أو ممثل تلفزيوني هو كذلك كاتب صحفي يعمل على مناقشة مسرحية ما، أو أحد الفنانين التشكيليين يعزف الموسيقى لمجموعة تحلّقت هناك.

    كما قامت إمارة الشارقة بتقديم ملاذ من نوع آخر لهؤلاء الفنانين والمثقفين، فكان متحف الشارقة للفنون وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الإمارة ضمن اليسير من الأماكن في دولة الإمارات العربية المتحدة التي قام الفنانون التجريبيون بعرض أعمالهم الفنية فيها. كما نبَعَت بعضٌ من أهم المناقشات الجمالية العامة والخاصة من رحِم المعارض الفنية في الشارقة، وبخاصة في ما يتعلّق بمشاريع فناني هذه المجموعة الفنية التي مالَت أكثر إلى التجريبية والمفاهيمية. وأثار عدد من هذه المعارض الكثير من الجدل، كما كانت بعض الأعمال الفنية تختفي فجأة عند اعتقاد أحدهم الخاطئ بأنها مجموعة من المهملات.

    وعلى الرغم من ذلك، وفي أغلب شهور السنة، وفي معظم أنحاء دولة الإمارات، لم يكن هنالك موقع محدد يتيح الاطّلاع على فن هذه المجموعة على الرغم من إنتاجها الغزير. وفي أوائل التسعينيات، قدِم الفنّان والقيّم الفنّي الهولندي «جوس كليفرس» إلى أبوظبي باحثاً عن الفن الإماراتي المعاصر والأصيل. والتقى حينها محمد أحمد إبراهيم، والذي قام بدوره بتقديم «كليفرس» إلى مجموعة فناني منزل السطوة، لتبدأ بعدها صداقة فنية استمرت حتى وفاة «كليفرس» في العام ٢٠٠٩.

    أما الفنان «فيفيك فيلاسيني»، فقد هاجر من مجتمع مدينة بومباي الفني النابض إلى إمارة دبي ليصنع منحوتاته وحيداً في عامه الأول. وفي الوقت ذاته الذي كان فيه «فيلاسيني » على وشك الاستسلام، بعد محاولات عدّة لإيجاد زملاء له وفرص لعرض أعماله الفنية، عثر «فيلاسيني» أخيراً على محمد أحمد إبراهيم، والذي اطّلع «فيلاسيني» على أعماله ذات مرّة في بينالي الشارقة. قام إبراهيم بتقديم الأخير إلى مجموعة منزل السطوة، كما قرر في اليوم التالي ضرورة عرض أعمال «فيلاسيني» في المعرض التالي المقام في متحف الشارقة للفنون. وتم افتتاح المعرض بعد شهرين من ذلك اللقاء تحت عنوانه الجديد «الستّة» (وكان ذلك في العام ١٩٩٦ وبمشاركة فيفيك فيلاسيني، جوس كليفرس، حسن شريف، حسين شريف، محمد كاظم، ومحمد أحمد إبراهيم).

    ولولا دعم جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وبينالي الشارقة، ومتحف الشارقة للفنون، لم يكن لمعظم هؤلاء الفنانين أن يلتقوا ببعضهم البعض. ولولا استمرارية علاقاتهم الفنية، ما كان لهم أن يصلوا إلى الأبعاد التي وصلوا إليها. ويأتي خلاف هذه المعارض الدورية في الشارقة عملية إنتاج الفن اليومية وتعليمه، والقراءة والكتابة عنه، وقراءة ومناقشة النظريات والفلسفة والشعر وغيرها في منازل ومُحتَرَفات هؤلاء الفنانين.

    وفي حين يلوح منزل حسن في السطوة كبيراً خلال السنوات التكوينية لهذا المجتمع، يصف من تمّت مقابلتهم في هذا الكتاب المنزل ذاته باتّسامه بغاية التواضع، إذ احتوى على القليل من الغرف تحت سقف من الأسبستوس، إلى جانب أكوام لا تعد من الكتب، وفناء صغير. وتظهر الصور، التي تم التقاطها في تلك الفترة، حسن وزواره جالسين في الحديقة على كراسي الفناء البلاستيكية البيضاء المعتادة. وكانت الحديقة جزءاً من الفناء الذي كان قبلها رصيفاً. وفي استيحاء من مزروعات «فيفيك» وبمساعدته، قام حسن بنزع بعض المساحات الإسمنتية لزراعة حديقة خاصة به. ويذكر «فيفيك» الفناء عندما كان معظمه أبيض اللون وفارغاً. وبحلول الوقت الذي انتقل حسن فيه إلى منزل آخر، كانت النباتات قد نمت لتتجاوز طوله وتسطّر حدود الفناء.

    شهدت التسعينيات نشوء هذا المجتمع واستقراره، ليقدّم بدوره فترة فنية معطاءة. فأسس إبراهيم حينها مرسماً فنياً في خورفكان، حيث قام بتدريس الفن، في حين قام كاظم بالتدريس في المرسم الحر للشباب الذي أسسه حسن شريف في دبي. وسافر عبدالله السعدي على نطاق واسع من مقرّه في خورفكان، حيث كان يقوم بتعليم اللغة الإنجليزية في مدرسة حكومية، ليطوّر سلسلة من مشاريع المعارض الفنية القائمة على رحلاته.

    كانت عالمة الرياضيات والرسّامة الشابة ابتسام عبدالعزيز إحدى أوائل تلاميذ كاظم، حيث قام كل من كاظم وحسن بتدريس تقنيات الرسم والتلوين والنحت، إلى جانب تشجيع تلاميذهم للسعي وراء الحقائق المفاهيمية الكامنة وراء الإيماءات الفنية. وفي نهاية المطاف، حققت عبدالعزيز نجاحاً باهراً من خلال الجمع بين ممارساتها الحسابية والفنية، وسرعان ما بدأت عبدالعزيز بالتدريس إلى جانب زملائها وأساتذتها في مرسم دبي. وأصبحت بعدها مديرة للمرسم، وهو دور تولاه كاظم قبلها من حسن، ولتبدأ بعدها بعرض أعمالها مع المجموعة الفنية، التي كان أولها معرض «خطوط» (٢٠٠٤) مع محمد كاظم. بعدها أصبحت عبدالعزيز جزءاً من هذه المجموعة.

    اضغط هنا لقراءة بقية المقال.