• موجز

    افتتح رواق الفن في جامعة نيويورك أبوظبي، في معرضه الثاني، معرضاً رئيسياً للمجموعة الفنية “السلاف والتتار” بعنوان «مرايا للأمراء: جانبي اللسان»، في ربيع عام ٢٠١٥.

    وتتبع المعرض والكتاب المصاحب أثر الهوس المعاصر بمواضيع المساعدة الذاتية إلى فترة القرون الوسطى وبعض أنواع العلوم السياسية المرتبطة بها وهي “مرايا للأمراء”، التي تم تقاسمها بين الأراضي المسيحية والإسلامية، حيث يعتبر كتاب مكيافيلي ـ“الأمير“ـ المثال الأكثر شهرة على ذلك. ويحث الفنانون في رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي في تلك النصوص كسوابق طارئة للسخاء والنقد، وكدراسة حالة عن التوازن ما بين الدين والدولة، والقضايا التي لازال صداها مستمر حتى يومنا هذا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا.

  • اقرأ المقال

    مقتطف من مقال القيم الفني:

    مجموعة “السلاف والتتار” هي مجموعةٌ فنية تشتمل عمليتها الإبداعية على مختلف العناصر، ابتداء من إجراء البحوث ووصولاً إلى الإنتاج الفني وتقديم العروض والمحاضرات. يُنتِجُ فنانو هذه المجموعة سلسلة من الأعمال التي يشيرون إليها باسم «الدورات»، وتبلغ كل “دورة” جديدة ذروتها مع إصدار كتابٍ فنّي حول مواضيع تلك الدورة وتفاصيلها.

    

يسعد رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي استضافة معرض «مرايا للأمراء»، والذي يأتي ضمن أحدث دورات مجموعة السلاف والتتار الفنية، إضافة إلى إطلاق الكتاب الفني لهذه الدورة من الأعمال بالتزامن مع إقامة المعرض.

    

يشير عنوان المعرض إلى نوعٍ أدبي برز في العصور الوسطى واعتُبِرَ بأنه شكلٌ مبكّرا من أشكال الدراسات العلمانية/المدنية (والتي تشير إلى أيٍّ من الدراسات التي لا تُعنى بالمواضيع الدينية). وكان من شأن تلك الدراسات غير الدينية أن رَفَعَت من فن ادارة شئون الدولة ودراساتها إلى مستوى الدراسات الفقهية أو اللاهوتية، وتواجدت في كلٍّ الأراضي الإسلامية والمسيحية على حدٍّ سواء. وقد يكون المثال الأشهر من هذا النوع الأدبي متمثلاً في كتاب “الأمير” الذي كتبه مكيافيلي لتهيئة الأمراء لتولّي زمام الحكم عبر مزيجٍ من المديح والنصيح.

    لقد عدّ فنانو المعرض هذا النوع الأدبي مقدمةً وسَلَفاً لكتب مساعدة الذات الحديثة. فبالإضافة إلى استيعاب كُتُب هذا النوع الأدبي بشكل أكثر تقليدية باعتبارها شكلاً من أشكال التعليق السياسي، فقد ركّز الفنانون على مرآة إسلامية أدبية خاصة بالتحديد هي كتاب “كوتادغو بيليغ” أو “حكمة المجد الملكي”، وهو نصٌ أساسي للأدب التركي كتبه يوسف خاص حاجب في القرن الحادي عشر لأمير كاشغر.

    

تترددُّ أصداء قراءةٍ كتاب “كوتادغو بيليغ” في أرجاء المعرض، وتنسكب خارج أبوابه على الرغم من غموض مصدرها. ويبتعد هذا المعرض في أسلوبه عن الإجراءات الشكلية للمتاحف النمطية، حيث تستضيف الزائر شمّاعة للملابس توحي بتخطّي عتبة المجال العام إلى الحيز الخاص عند ترك قبعاتنا عند الباب. كما تشير العمائم والقبعات ذاتها إلى النشاطات الدينية والعلمية لأولئك الذين دخلوا مسبقاً ونزعوا قبعاتهم عنهم قبل الدخول.

    

يكتشف الزائر مصدر الصوت عند دخوله رحابة صالة المعرض الأولى ومساحتها المشرقة. فيستقبل الزائر أولاً تركيب «ليكتور» المتكوّن من سلسلة من مكبّرات الصوت العاكسة والمنتَجَة على شكل رفوف للكتب، والتي تذيع مقتطفاتٍ من “كوتادغو بيليغ” باللغة الأويغورية (لغة الكتاب الأصلية) والتركية والبولندية والألمانية والعربية في الوقت ذاته. إذ يقوم فنانو مجموعة “السلاف والتتار” بإضافة لغة الدولة المستضيفة للعمل الفني في كلِّ منطقة يُعرض فيها. وتجدر الإشارة إلى تسجيل الفنانين للجزء العربي من الكتاب هنا في أبوظبي بالاستعانة مع طالب شابٍّ تلقّى تدريبه في ممارسات تجويد القرآن الكريم والتلاوة باللغة العربية. ومن المقتطفات الصوتية المختارة، يشير الكتاب بشكل متكرر إلى تهذيب اللسان والقلب وكما يبدو في المقطع التالي:

    يميّز جسد الإنسان عضوان هما اللسان والقلب؛ واللذان خلقا كلاهما بنيّة الحقيقة والصراحة. فإذا كان كلام المرء صريحاً، فسوف يجني من ذلك ربحاً كبيراً. أما إن كان في كلامه اعوجاج، فسيُلعن في الحياة الدنيا ويصير إلى جهنم في الآخرة. فلينطق لسانك بكلامك إن كان مستقيماً، وليختبئ إن كان به اعوجاج.

    
وإضافة إلى هذا التركيب الصوتي، تستكشف سلسلة من المنحوتات ضمن أعمال هذه الدورة الفنية لمجموعة “السلاف والتتار” صورة اللسان والقلب في شكل مرئي، فينبثق اللسانان «المستقيم والأعوج» من نموذجٍ لقلبٍ يحاكي الواقع في عمل تحت عنوان «ستونغوي»، فيندمج عضوا اللسان والقلب بسلاسة في هيئة جديدة في عملٍ عنوانه «المعلّق الّلاذع».

    
يسلط فنانو مجموعة “السلاف والتتار” خلال دورة العمل الحالية الضوء على التوترات اللغوية الكامنة في النص. إذ إن التحكم في اللسان يعني التحكم في الكلام، وكبح جماح اللغة، وإدراك أن الكلمات هي ذاتها أفعالٌ ذات عواقبٍ خاصة بها.

    إن اللسان ترجمانٌ للعقل والحكمة. اعلم أن اللسان الفصيح يبرز المرء من بين أقرانه. وهو اللسان الذي يُعَظّم الإنسان فيجد الثروة، وهو ذات اللسان الذي يجلب العار على الإنسان فيفقد رأسه. إن اللسان هو أسدٌ رابض على العتبة – هو ربّ المنزل، صُنهُ وإلا فسوف يقضم رأسك!

    وكما ذُكِرَ آنفاً، يبدو في الكثير من أعمال مجموعة “السلاف والتتار” اهتمام المجموعة العميق باللغويات. إذ يعود عددٌ من أعمال الدورات السابقة للمجموعة إلى الظهور في هذا المعرض، مما يربط بدوره ضمنيا ما بين اهتمام “كوتادغو بيليغ” باللسانيات وبين التاريخ اللغوي الإقليمي للمنطقة.

    تم نشر الكتيب الأصلي باللغة الإنجليزية فقط. اضغط هنا لقراءة بقية المقال باللغة العربية.